لم تشهد غزة منذ احتلالها عام 1967 سلسلة مجازر سريعة ومتوالية أفظع من تلك التي يتعرض لها أبناؤها منذ ساعات ظهر أمس، إذ يباد فيها الكبير والصغير وكل من صادف وجوده في دائرة استهداف المقاتلات الحربية التي تقصف بأطنان من المتفجرات مقار أمنية تقع على مقربة من أماكن سكنية مكتظة.
فالأطفال والنساء والرجال يتحولون في غزة بفعل انهيار المباني وتطاير أجزاء كبيرة منها إلى ركام بشر وبقايا أجساد يتوالى سقوطها فوق وتحت الأنقاض، وسط تهاوي قدرة أطقم الإنقاذ والمشافي التي لم يكن في حساباتها أن تتعرض غزة لمثل هذه المجازر دفعة واحدة.
ووسط تعدد مشاهد المأساة والكارثة المروعة لم تتوقف طائرات الموت الإسرائيلية عن نشر الموت في كل أرجاء القطاع، ففيما كان أهل غزة منشغلين بإجلاء شهدائهم وجرحاهم كانت طائرات الاستطلاع تباغت رجال الشرطة والمواطنين
استهداف المساجد
فمنذ ساعات ظهر أمس استهدفت تلك الطائرات ستة شهداء على أبواب ثلاثة من المساجد في مدينة غزة، في رسالة واضحة بأن الاحتلال سيمعن في القتل والتدمير، ولن يكون أهل غزة في مأمن من المجازر حتى ولو لاذوا بالمساجد.
ويقول سعيد محمد، أحد الذين هرعوا إلى تنظيف دماء الشهداء من أمام مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، إن طائرة استطلاع قصفت بصاروخ أربعة من رجال الشرطة بعد تأديتهم صلاة الظهر في المسجد.
وأوضح للجزيرة نت، أن أحدا لم يكن يتوقع أن يقدم الاحتلال على مجزرة داخل مسجد، الأمر الذي أصاب الناس هناك بالذهول عندما شاهدوا أشلاء الشهداء متناثرة على باب المسجد الذي تحطمت نوافذه جراء الصاروخ الإسرائيلي
استهداف المنازل
كما نالت بيوت المواطنين حظاً وافراً من عمليات القصف التي سوي بعضها بالأرض وأصيب بعضها الآخر بأضرار بالغة، وتسببت في تشتيت قاطنيها بين المشافي والمقابر
فعائلة أبو جهل المكونة من تسعة أفراد كتب لها الحياة من جديد، بفضل الله، بعد طلب رب العائلة من أسرته مغادرة المنزل الملاصق لمبنى وزارة الأسرى المتعدد الطبقات في حي تل الهوا بمدينة غزة الذي تعرض للقصف بعد ثوان معدودة من إخلائهم للبيت.
ويقول محمد أبو جهل، وهو رب العائلة، إنه عندما سمع صوت انفجار استهدف موقعاً في مدينة غزة، بادر إلى ذهنه أنه ربما يكون مبنى الوزارة هدفاً للقصف، الأمر الذي دفعه إلى الصراخ على زوجته وأبنائه بالخروج من المنزل.
وأضاف في حديث للجزيرة نت أنه أثناء خروجهم من المنزل مسرعين تعرض مبنى الأسرى المجاور للقصف، مما أدى إلى تناثر أفراد العائلة في كل حدب وصوب نتيجة شدة الانفجار الذي أتى على كل المبنى.
وذكر أنه يحمد الله على نجاة أسرته، وإصابة اثنين من أبنائه بإصابات طفيفة، مشيراً إلى أنه بعد أن عاد إلى المنزل المدمر لم يصدق أنه وعائلته بين الأحياء
وطلبة المدارس
وغير بعيد عن مبنى أبو جهل، خرجت أصوات لمواطنين تنادي على أطقم الدفاع المدني بالتحرك لانتشال جثة لأحد الأطفال غطتها كتلة إسمنتية ضخمة على مدخل مقر مجمع الإيرادات العامة التابعة لوزارة المالية الذي تعرض للقصف قبل أربع ساعات من العثور على جثة الطفل.
وما أن بدأت الأطقم في رفع الأنقاض عن جثمان الطفل الذي كان يحمل على ظهره حقيبته المدرسية وبدت ملامح وجهه حتى سقطت جدته التي كانت عائدة من المشفى في مسعى منها لمعرفة مصير حفيدها بعد تأخره عن العودة من مدرسته، مغشياً عليها، فعرف الجميع أنه حفيدها.
ـــــــــــــــــــــ
الجزيرة نت